هناك الكثير من الأمور في الحياة تحتاج إلى التفاتة وتوقف وتحليل وسؤال لماذا.

أنا شخصية صامتة بطبيعة الحال، أحببت الصمت منذ الصغر، وأصبح ملازمًا لي ورفيقًا وفيًا على الدوام؛ ولذلك تجدني أغلب الوقت ألتحف الصمت بأي مكان أكون به. أنا لا أتحدث كثيرا، وإذا تحدثت أكون مقلة جدًا بحديثي

وغير ذلك أنني شخصية غير اجتماعية إلى حد ما، والذين يعرفونني والقريبين مني يعون ذلك جيدًا.

ومن هذا المنطلق وبأحد الأيام بينما كنت بمقر عملي وكنت حينها منهمكة في إنجاز مهامي الوظيفية، إذا بإحداهن تدخل إلى المكان وتصافح الجميع، ومن ثم رأيتها تقترب مني وتمد يدها برهبة وكأنها مترددة، أو أن شيئًا ما   يخيفها.

استغربت تصرفها ذاك، ومع ذلك مددت يدي لها مصافحة لها برحابة. نظرت إلي نظرة قصيرة ثم استدارت خارجة من المكان!
ومن ثم أكملت عملي دون أن أكترث للأمر.

وبعد أيام أصبحت تلك الموظفة كلما رأتني تأتي مسرعة مصافحة وبابتسامة تملأ وجهها. لم أسألها ولم أهتم بالأمر، إلى أن جاء ذلك اليوم الذي كنت أجلس منفردة في باحة تلك المنشأة أنتظر سيارتي لتقلني للمنزل، وتصادف أنها هي أيضًا كانت تنتظر مثلي.

رأيتها قادمة نحوي بنفس الابتسامة واستأذنت للجلوس معي فرحبت بها. جلست بجواري وبدون مقدمات، قالت: بالفعل ليس من حق أي شخص أن يحكم على شخص بناء على آراء الآخرين به، والله إن الكلام الذي سمعته عنك متناقض مع الواقع.

نظرت لها مستغربة سبب تلك الكلمات التي نطقت بها ولكنها سبقتني بالحديث قبل أن أسأل، قالت: أتعلمين أنني سألت عنك بعض الموظفات الذين معك منذ سنوات؛ عندما رأيتك لا تشاركين في أي مناسبة أو حدث يحدث بمقر العمل، أرى الجميع إلا أنت لا أراك إلا بمكتبك تعملين أو تجلسين منفردة، فأثار ذلك فضولي فسألت عن السبب، فأخبرني بعضهن بأن لا أقترب منك وأن أحذر من التعامل معك، وعندما سألت لماذا قلن لي أنك “نفسية” فطالبوني بالابتعاد عنك.

هكذا أخبرتني تلك الموظفة، فما كان مني إلا أن ابتسمت مطأطة رأسي غرابة وتعجبًا من الحال الذي وصل له البعض للأسف.
إن إطلاق الأحكام على الآخرين دون معرفة حقيقية بهم، هو خطأ عظيم وأيضًا مجحف.

من المنطقي أثناء حكمك على الآخرين، أن تكون العقلانية والمعرفة عن قرب هي أساس الحكم على الأشخاص، بدلا من إطلاق أحكام ظالمة ضيقة كضيق عقليات مطلقيها.

أصبح البعض يعطون أنفسهم الحق في تقييم الآخرين من خلال زاوية محددة، ولا يكلفون أنفسهم بالنظر إلى كامل الصورة. هذه الأحكام قد تؤدي إلى تشويه لصورة البعض أمام الآخرين.

لذلك فإن الحكم على الآخرين وتقييمهم، ينبغي ألا يكون من النظرة الأولى، أو من خلال الشكل الخارجي لأن الشكل ليس مقياسًا دقيقًا لمعرفة معادن الناس، وأيضًا هذا لا يحدد إذا ما كان الشخص جيدً أو سيئًا. وإنما ما يحدد ذلك هو مراقبة كلام الشخص ومدى ثقافته أو منهجه أو طريقة تفكيره، فالحكمة العربية تقول: المرء مخبوء تحت لسانه.

أي أننا لا يمكن أن نرى الجوانب الخفية من شخصيات الآخرين، وكثيرًا ما يحكم البعض على الآخرين حكمًا ليس منصفًا. والله سبحانه هو المطلع على دواخل الناس هو فقط من يعلم النوايا وليس غيره.

كل شخص يترك لنا انطباعًا عن شخصيته بدءًا من المرة الأولى، ولكن الحكم لا يكون إلا بعد الاقتراب من الشخص ومعرفته معرفة حقيقية.

ومن هنا أقول كفاكم تسرعًا واندفاعًا في الحكم على الآخرين من دون تروٍ وحتى تتجنبون الحرج فيما بعد وأيضا حتى لا تندمون على إصدار تلك الأحكام.

تأنَ في إصدار الأحكام. فكر قبل أن تنطق أي كلمة من شأنها أن تؤذي الآخرين.